في ذروة السبعينيات والثمانينيات، كان بيرت رينولدز اسمًا يملأ شباك التذاكر ويؤثر في ذائقة الجمهور الأميركي. صورته كرجلٍ واثق، ساخر، وعفوي أخفت هشاشة إنسانية وتجربة طويلة مع المجد ومطبّاته. هذا المقال يقدّم قراءة حديثة لمساره، من الملاعب إلى الشاشة، ومن الأيقونة الشعبية إلى ممثل يقف بين الترفيه والاعتراف النقدي.
بدأ رينولدز لاعبَ كرة قدم أميركية بمزاجٍ تنافسيّ صريح، لكن إصابة في الركبة نقلته إلى المسرح. ملامحه القوية وحضورٌ يذكّر بجاذبية مارلون براندو منحاه فرصًا مبكرة في التلفزيون ثم في أفلام الغرب. الانطلاقة الحقيقية جاءت مع “ديلفيرنس” (1972) لجون بورمان؛ دورُ الرجل المدني المتحوّل أمام قسوة الطبيعة كشف قماشة تمثيلية تتجاوز قالب “البطل الصلب”، وفتح له باب النجومية على نطاق واسع.
بالتوازي مع نجاحه الدرامي، استثمر رينولدز صورته العامة بذكاء، حتى عندما أثار الجدل بصورة جريئة في مجلة “كوزموبوليتان”. سرعان ما انتقل إلى أفلام الحركة والكوميديا التي لامست المزاج الشعبي في الجنوب الأميركي، وأبرزها “Cours après moi shérif” (1977) المعروف جماهيريًا في إنكليزية بعنوان Smokey and the Bandit؛ أداءٌ سريع الإيقاع، خفيف، يسند ضحكة تحت شاربٍ أيقوني ويحوّل المطاردة إلى متعة سينمائية قابلة لإعادة المشاهدة.
على مستوى الصناعة، شكّل رينولدز نموذجًا مبكرًا لنجومية عفوية تمهّد لشخصيات مثل براد بيت وجورج كلوني: حضور غير متكلّف، علاقة مباشرة مع الجمهور، وقدرة على تحويل المقابلات والظهور العابر إلى لحظات لامعة. لكن هذا الاختيار في المزاج العام له ثمنه؛ النقاد لم يمنحوه دائمًا ما يستحقه، والجوائز الكبرى لم تُنصفه بالقدر نفسه. فرصته الأوفر جاءت مع “Boogie Nights” لبول توماس أندرسون، حيث قدّم دورًا مركّبًا لمنتج أفلام للكبار يتشبّث بمعايير وقيم رغم بيئة مضطربة؛ ترشيحٌ مهم لم يترجم إلى تمثال ذهبي، إذ آلت الجائزة إلى روبن ويليامز في تلك السنة.
خلف الكواليس، ظل رينولدز ميّالًا إلى المخاطرة: ينفّذ الكثير من مشاهد الحركة بنفسه، يحتفظ بلياقة رياضية، ويقاوم أنصاف الحلول. هذا الميل ترك أثره الصحي؛ اعتماد طويل على مسكّنات الألم بعد الإصابات، وصراع مع الإدمان لم يُخفِه عن جمهوره. ومع ذلك، بقيت صورته اجتماعية وودودة: قريب من الناس، مباشر، يلتقط النكتة دون أن يفرّط بالصدق.
انتشاره في أوروبا لم يطابق هيمنته في الولايات المتحدة؛ أفلام الحركة والكوميديا التي صنع من خلالها جمهورًا وفيًا لم تلقَ الصدى نفسه عبر الأطلسي. لكن شهادة زملائه تمنح السياق: حديث جون فويت، بروس ديرن، بيتر بوغدانوفيتش، ولوني أندرسون يضيء على رجلٍ مهنيّ في موقع القيادة، لا يخشى الاعتراف بنقاط ضعفه ولا يساوم على دفء الحضور الإنساني.
الوثائقي الذي أخرجه أدريان بويتنهاوس (الولايات المتحدة، 2020، مدة 85 دقيقة) يعيد ترتيب عناصر الصورة بهدوء: نجومية هوليوودية تُصنع من مزيج الموهبة والجرأة، ومسيرة تتأرجح بين نجاحات جماهيرية وقراءات نقدية متحفّظة. عبر الأرشيف والحكايات الشخصية، تُستعاد لحظات فارقة من “ديلفيرنس” إلى “Boogie Nights”، مرورًا بسلسلة أفلام الحركة التي رسّخت اسمه، مع تركيز على أثر الاختيارات المهنية والعاطفية في سمعةٍ تعاقبت عليها موجات من الإعجاب وسوء الفهم.
بيرت رينولدز ليس مجرد “قويّ بشارب” في ذاكرة هوليوود؛ هو ممثلٌ بنَفَسٍ تقني يعرف إيقاع الكوميديا ويحتمل ثقل التراجيديا، وشخصية عامة تقف خلفها طباع إنسانية تُرى عندما تسقط الأقنعة. لهذا يبقى موضوعًا صالحًا لإعادة القراءة: كيف تُبنى نجومية بعفوية، وكيف تُصان الصورة عندما تتعارض مع توقعات النقد، وكيف يظل القلب حاضرًا حتى عندما تبدو القوة هي الواجهة.