يعود فيلم "أحلام قطار" (Train Dreams)، أحدث إنتاجات نتفليكس، ليعيد للواجهة فن الحكاية السينمائية الكلاسيكية المتقشفة، عبر رحلة حافلة بالتأمل والوجع، تدور أحداثها في قلب أمريكا مع بداية القرن العشرين. يرصد العمل حياة روبرت غراينير، عامل السكك الحديدية وقطع الأشجار، الذي يتحول من طفل يتيم يبحث عن الاستقرار إلى رجل يواجه تقلبات القدر والفقدان، في ظل تغييرات جذرية تطرأ على مجتمعه وتفترس صمته وحياته التقليدية.
يبدع المخرج كلينت بنتلي في نقل روح الرواية الأصلية للكاتب الأمريكي دينيس جونسون إلى الشاشة، ممسكًا بتفاصيل المشهد الأمريكي القديم؛ حيث تتقاطع الوحشة مع الجمال الطبيعي الجامح، وتصطبغ الرتابة اليومية بإيقاع القدر والذاكرة. السيناريو لا يبتعد كثيرًا عن الأصل المكتوب: يصور لحظات الحب العابر، ويعري هشاشة الروابط الإنسانية أمام جبروت الطبيعة والنيران، في سرد بصري شاعري لا يخلو من الرمزية والحنين.
يلعب جويل إدجرتون دور روبرت بعذوبة وصبر، حتى تخاله صورة حية لضحايا التغير؛ رجل يعيش على أطراف الحضارة، يطارده الماضي ويصهر وحدته في قسوة الحاضر. تدعمه فيليسيتي جونز في دور "غلاديس"، وهي تمثل دفء الأسرة الهش في عالم لا يرحم. تمنح الموسيقى التصويرية وصورة الغابات والمناشير وعربات القطار الفيلم وزنه الفلسفي، ليصبح التأمل في تفاصيل الحياة اليومية مساحة لسبر المشاعر الإنسانية الأعمق.
أما النهاية، فتلخص مغزى الرحلة كلها: حين يصعد روبرت أخيرًا إلى تلك الطائرة الصغيرة، تعبر أمامه وجوه ومواقف تجسد معناه الوجودي — الإدراك المتأخر بأن الوحدة قدر، لكن التصالح مع الذات قد يكون أسمى أشكال الحرية. هكذا، ينسج "أحلام قطار" حكاية شاعرية، بعيدة عن صخب العصر، لكنها قادرة على ملامسة أوتار أي مشاهد عربي يتوق لدراما قوامها البساطة وعمق الانفعال.