يقدّم فيلم “Undercover: Une histoire vraie” (المعروف عالميًا بعنوان “White Boy Rick”) صورة قاسية عن أمريكا الثمانينيات، من خلال قصة مراهق يتحول في سنّ الرابعة عشرة إلى مخبر سري لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي، قبل أن يُبتلع نهائيًا داخل منظومة الجريمة والقانون معًا.
منذ اللقطات الأولى، يبني الفيلم عالمه على هامش الحلم الأمريكي: أحياء فقيرة في ديترويت، اقتصاد منهار، وانتشار للكوكايين والكراك يحوّل الشوارع إلى ساحة صراع بين الشرطة والعصابات. داخل هذا السياق، يتتبع العمل علاقة معقّدة بين الأب والابن؛ أب فاشل تجاريًا يحاول الصمود عبر صفقات سلاح مشبوهة، وابن يُستغل من طرف السلطات بسبب قربه من عالم الجريمة، فيتحول من وسيط هامشي إلى قطعة أساسية في لعبة أكبر منه بكثير.
قوة الفيلم تنبع من اختياره لزاوية إنسانية قبل أن تكون بوليسية. البطل ليس “زعيماً” إجرامياً تقليدياً، بل شابّاً هشّاً محاطًا بعائلة مفككة، ما يجعل كل خطوة في مساره نتيجة ضغط اجتماعي ومؤسسي أكثر منها قرارًا حرًا. هذا التركيز على هشاشة الشخصيات يفتح الباب لقراءة نقدية للعلاقة بين الطبقات الفقيرة والأجهزة الأمنية: كيف تُصنع “المصادر السرية”، وكيف تُضحّي بهم الدولة حين تنتهي صلاحيتهم، تاركة إياهم يواجهون أحكامًا ثقيلة لا تتناسب مع حجم مسؤوليتهم الفعلية في المنظومة.
أسلوبيًا، يعتمد الفيلم على واقعية خشنة تقرّبه من الحسّ الوثائقي: تصوير في مواقع حقيقية، ألوان باهتة تعكس برد المدن الصناعية المنهارة، وكاميرا قريبة من الوجوه ترصد التعب، الإدمان، والخوف أكثر مما تبحث عن “أكشن” تقليدي. هذا الاختيار يحوّل مشاهد العنف والتجارة بالمخدرات من فرجة إلى مادة اجتماعية تُظهر تآكل المدينة وأهلها في آن واحد، وتربط بين تفكك العائلة وانهيار البنية الاقتصادية والسياسية.
بهذه التركيبة، يبتعد “Undercover: Une histoire vraie” عن نموذج فيلم الجريمة الهوليوودي اللامع، ويقترب أكثر من دراما اجتماعية عنيفة حول استغلال المراهقين، وازدواجية الدولة في “الحرب على المخدرات”، وحياة طبقة كاملة تعيش دائمًا تحت تهديد الفقر، السلاح، والسجن. النتيجة عمل يمكن تقديمه بسهولة كنقطة انطلاق لنقاش صحفي أوسع حول علاقة الأجهزة الأمنية بالأحياء المهمشة، واستعمال “التعاون القضائي” كأداة لإعادة إنتاج الظلم بدل تفكيكه.