شهد مهرجان كان السينمائي لعام 2025 دورة استثنائية، اتسمت بقوة الأعمال المشاركة ورسائلها السياسية والإنسانية العميقة. فقد حظي المهرجان، الذي ترأسته النجمة الفرنسية جولييت بينوش، بإشادة واسعة من النقاد والصحافة الأوروبية، معتبرين هذه الدورة واحدة من أقوى الدورات وأكثرها تفاعلاً مع قضايا العالم المعاصر.
نال المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي السعفة الذهبية عن فيلمه "كان مجرد حادث"، الذي صوّر سرًا في طهران. من خلاله، قدم رؤية مؤثرة عن معاناة الشعب الإيراني تحت حكم النظام، متناولًا جراح المعتقلين السابقين وصراعهم مع فكرة الانتقام من جلاديهم. هذا الفوز اعتُبر تتويجًا لمسيرة بناهي النضالية، حيث ظل ممنوعًا من مغادرة إيران لأكثر من 15 عامًا. وأنتج أفلامه في ظروف قاسية متحديًا القمع والمنع. لحظة تتويجه بالسعفة الذهبية كانت مؤثرة، حيث استقبل الجمهور والمهرجان بناهي بحفاوة كبيرة. واعتبر كثير من النقاد أن هذا التتويج يحمل بُعدًا فنيًا وسياسيًا في آن واحد.
الجائزة الكبرى إلى المخرج النرويجي يواكيم تريير عن فيلمه "القيمة العاطفية"، الذي استكشف العلاقات العائلية وتأثير الإرث النفسي عبر أجيال. وُصف العمل بأنه يحمل بصمة سينما إنغمار برغمان ويترك أثرًا في ذاكرة المشاهدين.
أما جائزة لجنة التحكيم، فقد اقتسمها فيلمان: "سيراط" لأوليفر لاكس و"صوت السقوط" لماشا شيلينسكي. في حين فاز المخرج البرازيلي كليبر مندونسا فيلهو بجائزة أفضل إخراج عن فيلم "العميل السري"، الذي تناول أجواء الديكتاتورية في البرازيل السبعينيات. وحصد بطل الفيلم فاغنر مورا جائزة أفضل ممثل عن أدائه القوي.
من جهة أخرى، حصدت الممثلة التونسية ناديا مليتي جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم "الأخت الصغيرة" للمخرجة حفصية حرزي. اعتبر كثيرون مستحقًا، خاصة مع الحضور العربي اللافت في هذه الدورة.
جائزة أفضل سيناريو إلى الأخوين جان بيير ولوك داردين عن فيلم "الأمهات الشابات"، بينما نال فيلم "أنا سعيد أنك متّ الآن" للمخرج العراقي توفيق برهوم السعفة الذهبية للأفلام القصيرة. هذا يؤكد على التنوع الجغرافي والموضوعي للأعمال الفائزة
الدورة الـ78 من رسائل سياسية وإنسانية قوية. إذ تحولت السجادة الحمراء إلى منبر للتضامن مع غزة وتكريم الصحفية الفلسطينية فاطمة حسونة، التي استشهدت قبل المهرجان. كما شهدت انتقادات سياسية حادة من روبرت دي نيرو للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. في مشهد يعكس كيف أصبح المهرجان مساحة للمقاومة والدفاع عن القيم الإنسانية والفنية.
هكذا، كرّس مهرجان كان 2025 نفسه كمساحة للفن الملتزم. حيث اجتمعت الأفلام الفائزة على ضرورة المقاومة، والتعبير عن القضايا الإنسانية، وتقديم السينما كملاذ في عالم مضطرب. ليخرج الجميع بانطباع أن السينما لا تزال سلاحًا قويًا في مواجهة الظلم، ونافذة على آمال الشعوب وتطلعاتها