تبرز أمام الفن والصحافة الإيرانية أسئلة وجودية حول وظيفة الرقابة وحدودها. يرى مجيد رضائيان، أستاذ الإعلام، أن محاولة إسكات أصوات الواقع أو موارات الخيال خلف حواجز المنع لم تعد نافعة في زمن يسيل فيه سيل الصور والروايات دون قيد، ويتراءى للناظر أن الإبداع الإيرانية اليوم يقف على مسافة حرجة من نبض الشارع وحقيقة الناس. يشير رضائيان إلى أن السينما التي تتغافل عن مشاهد الحياة اليومية، تفقد قدرتها على بناء جسر متين بين العمل الإبداعي وجمهوره، خاصة في عصر يتدفق فيه كمّ هائل من الوقائع عبر الشاشات والمنصات.
انطلقت الرقابة ذات يوم كشرط لحماية البراءة أو المحافظة على القيم المجتمعية، ثم سرعان ما تجاوزت دورها الأخلاقي لتخترق مساحات القول الحر والإبداع. بحسب رضائيان، تعتمد فعالية الرقابة اليوم على مدى قدرة النظام على صيانة حق المجتمع في التعبير من خلال ممرات قانونية واضحة. عندما تتسع الفجوة وتتقلص هذه المسارات، يتحول الرقيب من حارس للقيم إلى متاريس مانعة لولادة الأفكار المتعددة.
من وجهة نظر الباحث، حينما تتبدد القنوات المشروعة للتعبير ويُفسح المجال لرؤى ضيقة المتنفس، تنشغل أجهزة الرقابة بإغلاق النوافذ بدل رعاية التنوع والفرادة، الأمر الذي يضعف حضور الفنان والصحفي كمرايا للقضايا المجتمعية. يسلط رضائيان الضوء على تجارب في اليابان والصين، حيث أثبتت المؤسسات المهنية غير الحكومية قدرتها على الدفاع عن حرية التعبير الفني، ما أدى إلى نشوء مناخات إنتاجية أكثر حيوية.
ويتابع رضائيان ملاحظاته مشيراً إلى سنوات مضت أطلق فيها سينمائيون أمثال رخشان بني اعتماد وداريوش مهرجويي قضايا كاشفة سبقت زمانهم، بينما يشهد اليوم عصر أفلام رمادية تفتقد للانحياز لقضية وقادرة بالكاد على تحريك مشاعر جمهورها أو التوهج زمن طرحها.
يتوقف رضائيان عند التلاقي الضروري بين الواقعية والفكر الخيالي في المشهد الإبداعي، منوهاً بأن دور الصحافة والسينما لا يقف عند حدود التوثيق بل يتجاوزها لصياغة رؤى جديدة من رحم الواقع. يلفت إلى التمييز بين مراجعة الأعمال لغوياً أو فنياً وبين سياسة المنع الشامل التي تُفرغ المنتج النهائي من هويته وقيمته الأصلية. ويقول: إذا لم يحمل العمل الإبداعي صورة صادقة تعكس نبض المجتمع، فقد أصالته وفاعليته.
ويدعو رضائيان إلى تمكين الاختصاصيين وأصحاب الخبرة في صياغة سياسات الفن والإعلام، واقتلاع ظاهرة الاستئثار بالقرار من قبل من تعوزهم الدراية. يحذر من النمطية التي تخنق الأصوات المستقلة، فينتهي الأمر بمنتجات فنية أشبه بصور زائلة لا يتردد صداها، حتى إذا أفرج عنها بعد سنوات.
تتضح في حديثه أن البدء بإصلاح المشهد يبدأ بتوطيد الحوار وتكريس الشفافية في الأطر التنظيمية، وتعزيز فضاءات المبادرة الحرة. لعل الفن والإعلام حينذاك يعودان ليشكلا ذاك المجال الحي للبحث والاستكشاف وحلول المعضلات، بعيداً عن خداع المرايا أو الانفصال عن المشهد الحقيقي للناس. في هذا العصر الرقمي المتسارع، لم يعد لمقص الرقيب إلا أن يقص جناحي الإبداع نفسه، ويترك المنصة فارغة من كل صوت أصيل.