في خمسينيات القرن الماضي، ظهرت أغنيس فاردا في المشهد الفني الفرنسي كامرأة شابة تحمل كاميرتها وتمضي بخطوات واثقة في شوارع باريس، باحثة عن الضوء في زوايا الحياة اليومية. ولدت فاردا عام 1928 في بلجيكا وانتقلت بصغرها إلى فرنسا، لتمتزج هويتها بين مدينتين وروحين. اشتهرت بانتهاجها منهجًا خاصًا في التصوير، فكانت تلتقط صورًا تتسم بالصدق والتجرد وتعكس تفاصيل الشارع وأهله بعيدًا عن المثالية والزخرفة.
اختارت فاردا العيش والعمل في استوديو صغير بشارع داغير في الدائرة الرابعة عشرة بباريس، حيث كوّنت علاقات وطيدة مع سكان الحي والفنانين الطموحين. بلغت صورها الفوتوغرافية في تلك الفترة شهرة واسعة، إذ أظهرت رؤية فريدة وعينًا حساسة لجماليات الحياة البسيطة. لم تقتصر موهبتها على التصوير الفوتوغرافي، بل سرعان ما انتقلت إلى السينما لتصبح من أبرز مخرجات الموجة الجديدة، واعتمدت في أفلامها نفس الدقة والرؤية الإنسانية التي ميزت صورها الأولى.
عرفت فاردا بعزيمتها واستقلاليتها، فقد كانت دومًا ترفض القيود المفروضة على النساء في عالم الفن، متخطية الحواجز ليكون لها صوت وصورة متميزان في الثقافة الفرنسية والعالمية. استمر أثرها طوال عقود، حيث ألهمت أجيال الفنانين بإبداعها وتنوع أعمالها وقيمها الإنسانية. مع رحيلها عام 2019، بقي إرثها شاهداً على قوة الرؤية ونقاء الإحساس، وجاءت عدستها ناطقة بالحياة الباريسية بحس شاعري وواقعية نادرة.