سلسلة "Shameless" على نتفليكس: تشريح جريء للتحولات الدينية والسياسية والجنسية والاجتماعية في قلب أميركا الهشة

أضيف بتاريخ 09/01/2025
Cinéma | سينِما


تبرز سلسلة "Shameless" كواحدة من أجرأ الأعمال التلفزيونية الأميركية في العقد الأخير، إذ تقدم صورة بانورامية صادمة للطبقة العاملة المهمشة من خلال حياة عائلة غالاغر في جنوب شيكاغو، دون أي تجميل أو مواربة. وتتناول السلسلة بمقاربة واقعية وساخرة قضايا متشابكة من الفقر والبؤس إلى الإدمان والجريمة والعلاقات العاطفية المتعثرة، لكنها تذهب أبعد من ذلك لتطرح بجرأة مجموعة من الجوانب الثقافية التي لا تُناقش كثيراً على الشاشة.

في الجانب الاجتماعي، تنقل السلسلة واقع الأسرة النووية المنهكة، وتعرض تفكك الروابط التقليدية وتقسيم الأدوار بشكل متسارع، حيث تتولى "فيونا" مسؤولية العائلة مبكراً، في غياب الأب المدمن والأم المنعزلة نفسياً. هذا الحضور القوي لفكرة "المسؤولية المفروضة" يعكس أزمة الطبقة الدنيا التي تعيش يومياً تحت ضغط البقاء، وتضطر أحياناً لارتكاب مخالفات أخلاقية واجتماعية في سبيل الاستمرار. وتعيد السلسلة النظر في مفهوم النزاهة والشرف، عارضةً منظوراً معقداً حيث يُصبح الصدق والالتزام الأخلاقيين امتيازاً صعب المنال في سياق البؤس.

أما في الشق الجنسي، تتطرق "Shameless" بوضوح إلى الهويات والجنسانيات المختلفة؛ إذ يحمل العمل فكرة تمثيل العلاقات المثلية والاختلافات الجندرية داخل مجتمع يُعاني من التهميش، مقدماً شخصيات تقف على هامش التقاليد المحافظة وغير مُقيدة بالأنماط السائدة. لا يُحتفى بالاختلاف بقدر ما يُعرض دون رتوش، لتعكس القصة تعقيدات العلاقة بين الفرد وذاته وجسده وسط بيئة غير متسامحة تماماً لكنها غير قادرة أيضاً على التنظيم أو القمع باستمرار.

في المستوى الديني، تطرح السلسلة الدين بوصفه غائباً ولكنه حاضر في الخلفية، يشكل جزءاً من التقاليد الاجتماعية السائدة لكنه يتلاشى أمام ضغوط الحياة الحديثة وانعدام اليقين. تتبدى العلاقة بالدين في ممارسات مبعثرة بين الشخصيات، لكن غالباً ما يتم استبعاده عن الحلول الفعلية لمشكلات الأسرة أو المخاطر التي تواجهها؛ ليبدو كأن الإيمان الديني صار عنصراً ثانوياً أمام التدافع اليومي للأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

أما على المستوى السياسي، يعكس العمل هشاشة المؤسسات وقدرتها المحدودة على حماية الفئات المستضعفة. ينتقد المسلسل السياسات ذات الطابع النيوليبرالي عبر استعراض الانهيار التدريجي لشبكة الأمان الاجتماعي كالضمان الصحي والتعليم المجاني والسكن اللائق. في المقابل، يلجأ الأفراد إلى حلول فردية أو تكافلية ضمن "مجتمع مصغر" يبحث عن النجاة خارج الإطار الرسمي، كما في نماذج الجريمة الصغيرة والخداع اليومي.

تُحافظ "Shameless" على نبرة واقعية ساخرة لا تدين ولا تمجد، بل تُعرّي التفاعلات الإنسانية في ظل ظروف قاسية، وتفتح باباً للنقاش حول صورة الطبقة الدنيا الأميركية والهويات الجنسانية والدينية والسياسية في عصر التحولات الجذرية.