كسوف هوليوود: تراجع إبداعي أم بداية نهضة جديدة؟

أضيف بتاريخ 06/14/2025
Cinéma | سينِما

بينما يعيش العالم اليوم تحولات متسارعة في كل المجالات، يبدو أن السينما، وخاصة في عاصمتها العالمية هوليوود، تمر بأزمة هوية عميقة تهدد ليس فقط صناعتها، بل أيضا دورها الثقافي والاجتماعي في تشكيل وعي الجماهير. السينما ليست مجرد وسيلة ترفيه أو فن من الفنون، بل هي مرآة تعكس أحلام الشعوب، همومها، وحتى تناقضاتها. لكن ماذا يحدث عندما تبدأ هذه المرآة في التشوش، أو عندما تفقد البريق الذي جعل منها "الفن السابع" الجامع لكل الفنون؟



من وجهة نظري، أزمة هوليوود ليست أزمة مالية أو تقنية فحسب، بل هي أزمة إبداعية وثقافية بالأساس. فمع تزايد هجرة الإنتاج إلى دول ومناطق أخرى بحثا عن التمويل والتسهيلات الضريبية، تفقد هوليوود تدريجيا روح المكان الذي صنع أسطورتها. لم تعد "صناعة السينما الأمريكية" حكرا على أرض أمريكا، بل أصبحت سلعة عابرة للحدود، وهذا النزوح الجغرافي يهدد الهوية الثقافية التي كانت تميز أفلام هوليوود، ويفقدها جزءا من سحرها.

ثانيا، أزمة الإبداع ليست جديدة، لكنها تتفاقم مع تفضيل المنتجين للمضمون الآمن. يفضل المنتجون الأفلام التي تعتمد على كليشيهات مضمونة النجاح الجماهيري مثل الأفلام القائمة على الامتيازات أو إعادة إنتاج الأعمال القديمة. هذا النهج يحول السينما من فضاء للإبداع والتجريب إلى خط إنتاج متكرر، مما يفقدها القدرة على تقديم رؤى جديدة أو خلق تجارب سينمائية غير مسبوقة. المشاهد العالمي يبحث عن الجدة والمغامرة، لكن هوليوود تقدم له الوصفة نفسها بملابس مختلفة. أليس هذا إعلان عن إفلاس الخيال؟

أما التحدي الثالث، فهو التحولات التكنولوجية وثورة المنصات الرقمية التي غيرت قواعد اللعبة. لم تعد السينما تعتمد فقط على صالات العرض، بل أصبحت متاحة في كل مكان، وفي كل وقت. هذا التغيير أضعف هيمنة هوليوود التقليدية، وأفسح المجال لمنافسين جدد من آسيا وأوروبا وحتى العالم العربي. لكنه أيضا فرض تحديات جديدة على صناع السينما، الذين باتوا مضطرين للتوازن بين الحفاظ على هويتهم ومواكبة العصر.

في رأيي، أزمة هوليوود ليست نهاية للسينما، بل هي فرصة لإعادة التفكير في دور الفن السابع في عالم متغير. السينما قادرة على تجديد نفسها، لكن هذا يتطلب جرأة أكبر في تبني الأفكار الجديدة، وعدم الخوف من التجريب، والاستماع إلى صوت الجمهور الذي يتوق إلى رؤية العالم من زوايا جديدة. السينما، كما عرفناها دائما، هي فن جامع، لا يقف عند حدود اللغة أو الجغرافيا، بل يعبر عن روح الإنسان في كل مكان. أليس هذا هو جوهر الفن؟

إذن، ليست الأزمة في السينما نفسها، بل في صناعها الذين باتوا يخشون المغامرة، ويفضلون الأمان على الإبداع. لكن التاريخ يعلمنا أن الفن لا يزدهر إلا بالحرية، وبالجرأة على كسر القوالب الجاهزة. السينما في حاجة اليوم إلى روح المغامرة، وإلى رؤية جديدة تجدد إيماننا بقدرتها على التغيير والتأثير