في إطلالة فنية وتاريخية غير مسبوقة، تطلق قناة Movistar Plus+ الإسبانية سلسلة وثائقية استثنائية بعنوان "بيريخيل". تتناول بالتفصيل أزمة جزيرة ليلى (بيريخيل) التي هزت العلاقات بين المغرب وإسبانيا صيف 2002، وتحولت من حادث عابر إلى أزمة دبلوماسية وعسكرية كادت تعصف باستقرار المنطقة. السلسلة، التي ستعرض كاملة في العاشر من يوليو المقبل، تتألف من ثلاثة أجزاء تحاكي إيقاع أفلام التشويق السياسي، وتعيد تركيب الأيام العشرة الحاسمة التي عاشتها مدريد والرباط على خلفية النزاع على السيادة فوق تلك الجزيرة الصغيرة الواقعة قبالة مضيق جبل طارق.
السلسلة تعتمد على مزيج من التمثيل السينمائي، الأرشيف النادر، وشهادات أكثر من 40 شخصية رئيسية، بينهم رئيس الحكومة الإسباني الأسبق خوسيه ماريا أثنار، ووزير الدفاع آنذاك فيديريكو تريللو، ووزيرة الخارجية أنا بالاسيو، بالإضافة إلى مدير الاستخبارات خورخي ديزكالار. كما تمنح السلسلة مساحة مهمة لريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية الأمريكي وقتها، ولعدد من الدبلوماسيين الفرنسيين والمغاربة والإسبان، وخبراء عسكريين ومراسلين تابعوا الأزمة.
الهدف من وراء "بيريخيل" هو إعادة الاعتبار لحادث ظل يُنظر إليه في الغالب على أنه "نكتة جيوسياسية"، بينما كان في الواقع أشد المواجهات العسكرية بين المغرب وإسبانيا منذ المسيرة الخضراء. السلسلة تكشف أن الأزمة كادت تدفع إسبانيا إلى استدعاء المادة الخامسة من حلف الناتو، وهو ما لم يحدث قط بين حلفاء في الحلف الأطلسي. كما تبرز الدور المحوري للولايات المتحدة، التي وجدت نفسها في قلب أزمة دبلوماسية بين حليفين، في وقت كانت واشنطن منشغلة بحربها على الإرهاب.
"بيريخيل" تفتح أيضاً ملف المواقف الدولية، حيث وقفت فرنسا إلى جانب المغرب، مما حال دون تبني الاتحاد الأوروبي موقفاً موحداً. السلسلة أن الأزمة لم تكن مجرد نزاع على جزيرة صغيرة، بل كانت منعكساً لصراع أعمق حول السيادة والتركة الاستعمارية والعلاقات بين الجارين. المنتج التنفيذي لجورج أورتيز دي لانداثوري يوضح أن السلسلة تندرج ضمن سلسلة وثائقيات تهدف إلى "إبراز كيف يمكن لأحداث تبدو هامشية أن تختزل قضايا جوهرية: السيادة، الإرث الاستعماري، الحرب الرمزية والتوترات الدبلوماسية".
الحدث الأصلي يعود إلى 11 يوليو 2002، حين رفع جنود مغاربة العلم الوطني على جزيرة ليلى. هذا ما دفع إسبانيا إلى شن عملية عسكرية طردت القوات المغربية من الجزيرة، في خطوة أثارت ردود فعل دولية واسعة. وراء هذه المواجهة، يبرز تداخل المصالح الاستراتيجية وتوازنات القوى في منطقة حساسة، حيث تتدخل أطراف عدة: الاتحاد الأوروبي، الناتو، الأمم المتحدة، الجامعة العربية والقوى الأطلسية.
اليوم، وبعد أكثر من عقدين، تظل قضايا السيادة على الجيوب الإسبانية في شمال المغرب (سبتة ومليلية)، والنزاع حول الصحراء الغربية، والهيمنة على مضيق جبل طارق، تفرض نفسها على أجندة العلاقات المغربية-الإسبانية. سلسلة "بيريخيل" تقدم قراءة نقدية لهذا الحادث، وتسلط الضوء على تداعياته الجيوسياسية، في محاولة لفهم كيف يمكن لصخرة صغيرة أن تؤدي إلى أزمة إقليمية، وكيف تظل إرث الاستعمار حاضراً في الذاكرة الجماعية للطرفين.
"بيريخيل" ليست مجرد وثائقي عن أزمة جزيرة، بل هي رحلة في دهاليز الدبلوماسية الدولية، حيث تختلط المصالح بالرموز، وتتنازع القوى العظمى على النفوذ فوق صخرة لا تتجاوز مساحتها 13 ألف متر مربع. سلسلة تستحق المشاهدة لكل مهتم بالتاريخ المعاصر والسياسة الدولية.