يعود المخرج الإسرائيلي ناداف لابيد، المقيم حالياً في فرنسا، إلى واجهة الساحة السينمائية العالمية بفيلمه الجديد "نعم"، الذي يُعرض في القاعات ابتداءً من يوم الأربعاء 17 سبتمبر. لابيد، المعروف بمواقفه العلنية ضد النزعات القومية المتشددة داخل إسرائيل وضد سياسات بنيامين نتنياهو على وجه الخصوص، لطالما جعل من السينما وسيلة للتعبير عن رؤيته النقدية للواقع الاجتماعي والسياسي. فيلمه السابق "ركبة عهد" أثار نقاشاً واسعاً بسبب الطابع الانفعالي لبطله وأسلوبه المباشر في مواجهة الواقع الإسرائيلي، وهو ما يعكس توجه لابيد المستمر نحو طرح الأسئلة المقلقة وتفكيك الخطابات الرسمية من داخل الحقل الفني.
الفيلم الجديد يأتي في سياق زمن متغير عن تلك اللحظة السابقة التي التقى فيها المخرج بجمهور كانّ السينمائي. التطورات السياسية والاجتماعية التي عرفتها المنطقة في السنوات الأخيرة، والتجاذبات المتزايدة حول الثقافة ودورها في زمن الانقسامات، تجعل من "نعم" مناسبة إضافية للتوقف عند الأسلوب الفريد الذي يميّز أعمال لابيد. المخرج يستثمر عناصر السرد وأدوات الإخراج لطرح تساؤلات وجودية وسياسية، بعيداً عن الحلول الجاهزة أو الإجابات المباشرة، تاركاً للجمهور مساحة لإعادة التفكير في المعنى والواقع.
بالتوازي مع العرض المرتقب للفيلم، يصدر كتاب جماعي مخصص للسينما التي صنعها لابيد، أشرف عليه مورغان بوكيه وصدر عن منشورات "العين" تحت عنوان "وصف معركة". هذا العمل النقدي يحاول تتبع مسار المخرج، وتحليل أعماله السابقة، وإبراز التوترات الجمالية والفكرية التي تصنع فرادته. الجدير بالذكر أن لابيد سيوقع الكتاب في نهاية النقاشات التي ستلي العروض المتعددة التي يرافقها طيلة الأسبوع المقبل، مما سيخلق مساحة للقاء المباشر بينه وبين الجمهور المهتم بعمله الفني ورؤاه.
فيلم "نعم" يشكل إذن محطة جديدة في مسار مخرج اختار الصدام مع الخطابات السائدة، واستخدم السينما كساحة مقاومة رمزية. ما بين شخصيته الجدلية وجرأته الفنية، يواصل لابيد المراهنة على مخاطبة المتلقي بلغة الصورة والأسئلة المفتوحة، مؤكداً على مكانته كأحد أبرز الأصوات النقدية في السينما المعاصرة.