في عام 1992، قدم روبرت ريدفورد للسينما العالمية درساً في فن الإخراج البصري مع فيلمه الثالث "النهر يجري في الوسط". الفيلم، الذي يعتبره النقاد اليوم من كلاسيكيات السينما الأمريكية، يمزج بين براعة التصوير السينمائي وعمق السرد الدرامي.
يبرز العمل موهبة المصور العالمي فيليب روسلو، الذي استخدم تقنيات تصوير متقدمة لتحويل مشاهد صيد السمك إلى لوحات سينمائية متحركة. كاميرته الرشيقة تتعقب حركة الذباب الاصطناعي في الهواء وانعكاسات الضوء على سطح الماء، مبتكرة لغة بصرية فريدة تروي القصة بنفس قوة الحوار.
يقدم براد بيت، في أول أدواره الرئيسية، أداءً يكشف عن نجم صاعد، متقمصاً شخصية بول ماكلين المعقدة بحساسية وعمق. يقابله كريج شيفر في دور نورمان بأداء متزن يخلق توازناً دراماتيكياً مثالياً. الثنائي، تحت إدارة ريدفورد الدقيقة، يرسمان صورة مؤثرة للعلاقة بين الأخوين.
المونتاج المتقن لـ لينزي كلينغمان وروبرت إسترين يمنح الفيلم إيقاعاً شاعرياً، يتناغم مع موسيقى مارك إيشام التصويرية التي تضيف بعداً عاطفياً عميقاً للمشاهد. كل عنصر تقني في الفيلم يخدم الرؤية الإخراجية الشاملة لريدفورد.
الفيلم، المقتبس عن رواية نورمان ماكلين، يتجاوز كونه مجرد دراما عائلية ليصبح تأملاً عميقاً في الفن السينمائي وقدرته على تصوير تعقيدات الروح البشرية. إنه درس في الإخراج السينمائي يستحق المشاهدة المتكررة لاكتشاف طبقاته الفنية المتعددة.


