11/25/2025

الإعلام.. معركة جديدة في إسرائيل

في الوقت الذي تغرق فيه إسرائيل في حروب وأزمات سياسية داخلية، تنشب معركة جديدة في ساحة أخرى، هي الإعلام. إذ يثير مشروع قانون البث والإعلام الجديد الذي يقوده وزير الاتصالات، شلومو كراعي، انتقادات يرى أصحابها أن مشروع القانون محاولة لفرض سيطرة الحكومة على الإعلام.

تكمن خطورة مشروع القانون، وفق الصحيفة الإسرائيلية دانا بن شمعون، أنه يأتي في سياق “الهندسة المتزايدة للوعي العام”.

ويفرض مشروع القانون، أيضا، على شركات بث أميركية الاستثمار في محتوى إسرائيلي، وفقا لصحيفة إسرائيلية.

ثورة إعلامية أم محاولة للهيمنة؟

تم تمرير مشروع القانون بالقراءة الأولى في الكنيست بعد جلسة صاخبة، حصل فيها على تأييد 54 نائبا مقابل معارضة 47 نائبا.

قدّم الوزير كراعي المشروع باعتباره “ثورة تاريخية في حرية الرأي والمنافسة”، وقال إنه سيتيح “قنوات أكثر، وآراء أكثر، وبأقل تكلفة للمستهلك”. لكنّ ما وصفه الوزير بأنه “تحرير لسوق الإعلام”، يراه خصومه محاولة ممنهجة لإخضاع الإعلام للسلطة السياسية.

ينص القانون على إلغاء الهيئات الرقابية القائمة – “الهيئة الثانية للبث” و”مجلس الكوابل والأقمار الصناعية” – واستبدالها بهيئة جديدة تحمل اسم “هيئة الإعلام المرئي والمسموع”، يملك الوزير صلاحية تعيين رئيسها وثلاثة من أعضائها؛ هذه الصيغة، بحسب منتقدين، تجعل الهيئة الجديدة خاضعة فعليا لسيطرة الحكومة، رغم وصفها رسميا بالـ”مستقلة”.

تغيير قواعد اللعبة

يتجاوز مشروع القانون يتجاوز الهيئات الرقابية، ليطال أسس المشهد الإعلامي الإسرائيلي. فهو يسمح بتداخل الملكيات بين القنوات وجهات الإعلان ومصادر الأخبار، ما يعني فعليا إنهاء الفصل الذي فُرض لسنوات لضمان استقلالية غرف الأخبار عن أصحاب المصالح السياسية والمالية.

كما يمنح “القانون” الهيئة الجديدة صلاحية فرض غرامات تصل إلى 1% من الإيرادات السنوية لأي جهة بث تُخالف تعليماتها، رغم غموض كثير من المعايير المحددة لتلك المخالفات. خطوة وصفتها جهات حقوقية بأنها “تفتح الباب أمام استخدام الغرامات كأداة ضغط على وسائل الإعلام”.

وفي جانب آخر، يُلزم “القانون” منصات البث العالمية مثل “نتفليكس” و”ديزني” بالاستثمار بنسبة 6.5% من إيراداتها في إنتاج محتوى إسرائيلي، ما أثار اعتراضات من واشنطن، وفق ما ذكرته صحيفة “غلوبس” الإسرائيلية.

تعبر تلك الاعتراضات، وفق الصحيفة، عن انزعاج أميركي من فرض التزامات مالية على شركات أميركية خاصة.

وقد أثار مشروع القانون قلقا واسعا في أوساط الصحفيين والعاملين في الإعلام داخل إسرائيل، الذين يرون فيه محاولة لتقويض استقلالية المهنة، وتحويل الصحافة إلى أداة في يد السياسيين.

وفي حديث مع “الحرة،” حذرت الصحفية دانا بن شمعون، التي عملت سابقا في هيئة البث الإسرائيلية، من

وقالت الصحفية دانا بن شمعون، التي سبق وعملت في هيئة البث الإسرائيلية إن “محاولات التأثير على طريقة تفكير الجمهور أصبحت جزءا من المعركة السياسية، لا سيما في العصر الرقمي حيث تتداخل الروايات وتُعاد صياغة الحقائق عبر الإعلام التقليدي ومنصات التواصل”.

وأضافت في حديثها مع “الحرة” أن “جوهر العمل الصحفي هو جلب الواقع كما هو، وترك الجمهور يحكم بنفسه”، وشددت على أن تدخل السياسيين في إدارة غرف الأخبار أو التحكم في المضامين “يفقد الإعلام مهمته الأساسية، وهي كشف الحقيقة لا صناعتها”.

وترى بن شمعون أن مشروع القانون الجديد “يمنح السياسيين أدوات إضافية للسيطرة على الخطاب العام،” مشددة على أن أي خطوة في هذا الاتجاه “ستعمّق فقدان الثقة بين المواطنين ووسائل الإعلام، في وقت تحتاج فيه الديمقراطية الإسرائيلية إلى مزيد من الشفافية لا إلى مزيد من التحكم”.

تحذيرات قانونية ومعارضة واسعة

ووصفت المستشارة القضائية للحكومة، غالي باهراف-ميارا، مشروع القانون بأنه “خطر على ملامح الإعلام الحر في إسرائيل”، وأشارت إلى أن التعديلات قُدّمت دون استكمال الإجراءات القانونية المطلوبة أو التشاور مع الجهات المهنية.

ورغم العقبات القانونية، يسعى كراعي إلى تسريع المسار البرلماني لتجنب نقل مشروع القانون إلى لجنة الاقتصاد برئاسة خصمه في حزب “الليكود” دافيد بيتان، المعروف بمعارضته للوزير في أكثر من ملف. ويُعتقد أن الخلاف بين الرجلين يعكس صراعا داخليا في الحزب الحاكم حول حدود السيطرة الحكومية على الإعلام.

وأعلنت منظمات حقوقية وصحفية، بينها “منظمة الصحفيين في إسرائيل” وجمعية “هتسلاحا،” تقديم التماسات عاجلة إلى المحكمة العليا لوقف تنفيذه. وتنتظر المحكمة الردود الرسمية قبل إصدار قرارها في الثاني عشر من نوفمبر.

ويرى الوزير أن القانون يصحّح “انحيازا تاريخيا للإعلام الإسرائيلي ضد اليمين”، ويعيد “التوازن” إلى ساحة يهيمن عليها ما يسميه “اليسار النخبوي”. لكن المعارضين يحذرون من أن أي قانون يُضعف استقلالية الصحافة، في بلد بلا دستور مكتوب، قد يقوّض آخر أدوات الرقابة على السلطة.

مشروع قانون الإعلام فصل جديد في المعركة على الرواية داخل إسرائيل. فالإعلام، الذي كان لعقود ساحة لتعدد الأصوات الى حد ما وكشف الفساد، يجد نفسه اليوم مهددا بأن يتحول إلى أداة تدار بيد السلطات العليا.

وفي دولة تقوم على جدل دائم بين الأمن والديمقراطية، يبدو أن الصراع هذه المرة لا يدور حول من يحكم إسرائيل فحسب، بل أيضا حول من يملك سلطة سرد قصتها.