في ظل تصاعد التوترات الأمنية على عدة جبهات، اختتم الجيش الإسرائيلي، مناورة عسكرية مفاجئة على مستوى هيئة الأركان العامة، حملت اسم “مِجِن عُوز”، حاكت سيناريوهات اندلاع مواجهة شاملة، واختبرت جاهزية القيادات الميدانية والعليا للتعامل مع تطورات مباغتة، وفقا لبيان صادر عن الناطق باسم الجيش.
التمرين، الذي استمر يومين، بدأ باختبار مفاجئ لوحدة القيادة الشمالية في الجولان، وشارك فيه رئيس الأركان إيال زمير ميدانيّا، مشرفاً، كما ذكر البيان، على سلسلة من التدريبات التي شملت اتخاذ قرارات سريعة، ونشر قوات في الميدان، والاستجابة لتهديدات متعددة في وقت متزامن.
وأكد زمير أن المناورة تمثّل محطة مركزية في إعادة بناء الجاهزية بعد الحرب، مشدداً على أن “الانتقال من حالة الدفاع إلى الهجوم يجب أن يكون سريعاً وحاسماً، في أيّ جبهة يُطلب منا ذلك”.
ولم تكن المناورة محصورة في الشمال، بل شملت جميع هيئات الجيش وأذرعه: سلاح الجو، البحرية، القوات البرية، الاستخبارات، الجبهة الداخلية، والقيادات في المناطق الثلاث – الشمالية، الجنوبية، والوسطى.
المناورة ركزت على اختبار القيادة والسيطرة، والتنسيق بين الأذرع المختلفة تحت ضغط زمني ومعلوماتي، في ظل سيناريوهات متعددة جرى إعدادها بناءً على دروس الحرب الأخيرة. وأكد الجيش عزمه على تكثيف التدريبات في المرحلة المقبلة لتعزيز الجاهزية القتالية في المحاور كافة.
ومع اختتام المناورة، أعلن الجيش الإسرائيلي، الأربعاء، إطلاق عملية أمنية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية، بمشاركة جهاز الأمن العام (الشاباك) ووحدات حرس الحدود، من أجل “إحباط نشاط إرهابي منظّم”، وفق البيان الرسمي.
الجيش أكد أنه لن يسمح بما أسماها إعادة تموضع خلايا مسلحة في المنطقة، وأن العملية تأتي ضمن جهد استباقي لتعطيل البنية التحتية للمجموعات الفلسطينية المسلحة التي تسعى لاستغلال الظرف الإقليمي لتوسيع حضورها.
العملية في الضفة، التي قد تستمر بضعة أيام، كما ذكرت صحيفة “يديعوت احرونوت”، تمثل، وفق المراقبين، جزءا من استراتيجية إسرائيلية ليس فقط على الحدود، بل في العمق الفلسطيني أيضاً.
وفي قطاع غزة، تواصل إسرائيل تنفيذ “ضربات دقيقة” ضد أهداف قالت إنها تابعة لحركة “حماس”، في إطار ما تصفه بـ”سياسة ردع مستمرة” لمنع الحركة من إعادة بناء قدراتها العسكرية. ورغم الحديث عن الحفاظ الشكلي على وقف إطلاق النار، فإن وتيرة الضربات في الأيام الأخيرة تشير إلى أن الهامش بين التهدئة والانفجار بات ضيّقاً للغاية، لا سيما في ظل غياب توافق واضح حول المرحلة التالية من الترتيبات الدولية المرتقبة في القطاع.
بين الاستعداد للحرب و”السلام”
تتزايد التساؤلات حول ما إذا كان التصعيد حتميّا أم أنه يأتي لأهداف سياسية تخدم مصالح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
صحيفة “هآرتس” ذهبت إلى ما هو أبعد من التقييم الأمني، معتبرة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تسعى فقط إلى تعزيز الردع، بل تسير بشكل ممنهج نحو عرقلة تنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإعادة ترتيب الوضع في غزة والمنطقة.
الصحيفة وصفت سلوك إسرائيل بأنه محاولة لصنع وقائع ميدانية تمنع تطبيق البنود الجوهرية في الخطة، لا سيما ما يتعلق بانسحاب تدريجي، وتدويل الإشراف على غزة. وأشارت إلى أن الحكومة تستخدم الغطاء الأمني لتقويض مسار سياسيّ قد لا يخدم أجندتها.
واعتبرت “هآرتس” أن المناخ الأمني الراهن يمنح نتنياهو هامشاً للمناورة لرفع أو خفض مستوى التصعيد بحسب الظرف السياسي.
رسائل باتجاه الشمال
في الجبهة الشمالية، تُواصل إسرائيل تكثيف الغارات الجوية والعمليات العسكرية ضد مواقع حزب الله في جنوب لبنان والبقاع، مستهدفة مستودعات ومواقع إطلاق صواريخ، وسط تحذيرات من استعدادات يقوم بها الحزب للرد على اغتيال هيثم الطبطبائي، وهو أحد قيادييه العسكريين، في الضاحية الجنوبية لبيروت، الأسبوع الماضي.
وعلى أيّ حال، ترى إسرائيل في ما تصفه بـ”تقاعس الجيش اللبناني” عن فرض سيادة الدولة ونزع سلاح حزب الله، مبرراً لتوسيع هامش عملياتها.
الخطر الإيراني
وراء كلّ هذه الجبهات، تواصل إسرائيل التركيز على الملف الإيراني، الذي تعتبره التهديد الأكثر تعقيداً واستراتيجية.
وتشير تقارير استخباراتية حديثة إلى أن طهران تُعيد ترميم برنامجها الصاروخي الباليستي، وربما تحضّر لتحدّ جديد في حال استشعرت تراجع الردع الإسرائيلي أو الأميركي.
ومع اختتام المناورة المفاجئة، وبدء عملية أمنية في الضفة، وتوسيع الضربات في غزة ولبنان، يتّضح أن الجيش الإسرائيلي يعمل على رفع مستوى الاستعداد في كلّ الاتجاهات. لكنّ التوازي بين الميدان والخطاب السياسي يثير تساؤلات مشروعة عن حدود العلاقة بينهما وشكلها وخلفياتها.

