11/25/2025

ماذا حل بـ”صانع الملوك”؟

شغل مقتدى الصدر مساحة رئيسية في النقاشات السياسية قبل الانتخابات العراقية في 11 نوفمبر، عندما دعا إلى مقاطعتها. لكن، رغم ذلك، كانت نسبة المشاركة في التصويت أكثر بكثير من المتوقع. إذ ارتفعت إلى 56% من 41% في عام 2021.

حصل كل من القوى الشيعية المنافسة للصدر والتحالفات السنية والكردية، على ما كان متوقعا من عدد المقاعد، ولم يكن لدعوات المقاطعة تأثير يذكر على النتائج.

فهل فقد زعيم التيار الصدري، أبرز القادة العراقيين، منذ 2003، القدرة على التأثير في أتباعه ومؤيديه؟

الأمر ليس بهذا البساطة، تبيَن طروحات مراقبين تحدثوا إلى “الحرة” حول الموضوع.

“التيار الصدري أثبت أنه لم يعد قادرا على تعطيل العملية السياسية. ففي 2022 شُكّلت الحكومة من دونه، وفي 2023 أُجريت انتخابات المحافظات من دونه، واليوم تكرر المشهد” يقول الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، حمزة حداد لـ”الحرة”.

على مدى سنوات منذ عام 2003، كان للتيار الصدري حضور قوي في العملية السياسية، وقد أُطلق لقب “صانع الملوك” على زعيمه، الصدر.

بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، تحول مقتدى الصدر من شاب معروف على نطاق ضيق إلى قائد جماهيري لملايين من الأتباع والمؤيدين، خاصة في الأحياء الفقيرة مثل مدينة الصدر في بغداد (التي أعيد تسميتها تيمنا بوالده). وقد أثبت الصدر في مناسبات إن لديه قدرة كبيرة على تحريك الشارع وحتى إسقاط حكومات.

في 2021 تُرجمت شعبية الصدر بتحقيق تياره المركز الأول في الانتخابات العامة بنحو 73 مقعدا في البرلمان. حاول بعدها تشكيل حكومة أغلبية تضم الفائزين فقط، من الشيعة والسنة والأكراد، لكنه اصطدم بجدار منافسيه من الإطار التنسيقي الراغبين بالاستمرار في نظام حكومات المحاصصة التي تضم الجميع.

بعد أن يئس الصدر من الاستمرار في مشروعه طلب من اتباعه الاستقالة من البرلمان واعتزل العمل السياسي وقرر مقاطعة الانتخابات المحلية في 2023 والتشريعية في 2025.

“ارتفاع نسبة المشاركة على المستوى الوطني في هذه الانتخابات، يشير بالتأكيد إلى أن النظام السياسي لم يعد رهينة بنيوية لمشاركة التيار الصدري من عدمها” يقول أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة إكستر البريطانية، مهند سلوم.

ومع ذلك، لا ينبغي تفسير ذلك على أنه انهيارٌ لقاعدة الصدر الاجتماعية.

يشير سلوم إلى أن من الواضح أن الصدر لا يزال يمتلك نفوذًا رمزيًا في الشارع على اعتبار أن مقاطعته أدت إلى انخفاض المشاركة في مناطقه الأساسية، لكنه يرى أن قدرة الصدر على فرض فيتو وطني قد تراجعت بشكل ملحوظ.

سياسيا، يُعد الصدر “اللاعب غير التقليدي” الذي يستطيع دائما تغيير قواعد اللعبة.

رغم عدم ترشيح نفسه (لأن التقاليد الشيعية تحظر على العلماء الدخول في السياسة العلمانية)، فاز تحالفه “سائرون” بـ54 مقعدًا في 2018، و73 في 2021، لكنه انسحب دراماتيكيا عام 2022 احتجاجا على “التآمر الشيعي” الذي قاده “الإطار التنسيقي” المدعوم من إيران.

هذا الانسحاب أدى إلى فراغ سياسي دام أشهرا، ما يظهر قدرته على تعطيل العملية السياسية.

خطابه الشعبوي يجذب الشباب والفقراء، الذين يشكلون 60% من السكان، ويستخدم وسائل التواصل لتعبئة الرأي العام.

يعزو حمزة حداد ارتفاع نسب المشاركة رغم مقاطعة الصدريين لسببين: الأول هو أن الناس، بحسب قوله، لا يبدو أنهم يحبون أن يُملى عليهم ما يفعلونه، فحملة المقاطعة سابقا كانت حركة مجتمعية يقودها ناشطون، لا سياسيون. ويتعلق السبب لثاني بأن الصدر، رغم فوزه عام 2022 بـ73 مقعدا، انسحب من العملية السياسية، وسمح لخصومه بتشكيل الحكومة، وقد أثبت الخصوم قدرتهم على فعل ذلك من دون الصدر وحتى في انتخابات المحافظات 2023، أثبتوا الأمر ذاته.

لكن ومع ذلك ترى الباحثة في المركز الدولي لدراسة التطرف، إينا رودولف، أن من الخاطئ تفسير ارتفاع نسبة المشاركة على أنه دليل على تراجع نفوذ مقتدى الصدر.

“دعوته لمقاطعة الانتخابات لا تمنع احتمال أن يكون التيار الصدري لا يزال يدعم بشكل غير مباشر دور بعض المرشحين في عملية تشكيل الحكومة، وهو ما قد يسعى للتأثير عليه عبر قنوات أخرى” تقول رودولف.

“السياسة العراقية معقدة، واستراتيجيات التيار الصدري قد تتغير استجابة لهذه التطورات، ما يعني أن نفوذه ليس بالضرورة على وشك الانحسار، بل ربما يتهيأ للتكيف مع البيئة الحالية” تضيف رودولف لـ”الحرة”.

البيئة الحالية التي أفرزتها نتائج الانتخابات أظهرت فوز رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني بالمركز الأول بحصوله على 46 مقعدا نيابيا، لكن فوز لم يتح له بالتأكيد ضمان الولاية الثانية أو تشكيل حكومة جديد بأريحية.

فمنافسيه في الإطار التنسيقي حصلوا هم أيضا على أصوات تمكنهم من تشكيل الكتلة الأكبر، التي يحق لها ترشيح رئيس الوزراء كما ينص الدستور العراقي.

وفقا للنتائج النهائية للانتخابات فقد تجاوز عدد مقاعد الإطار التنسيقي في البرلمان الجديد الـ100 مقعد، بحصول إئتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي على 29 مقعدا و”الصادقون” بزعامة قائد ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي (27 مقعدا) و”بدر” بزعامة هادي العامري (21 مقعدا) وتحالف قوى الدولة الوطنية بزعامة عمار الحكيم 18 مقعدا وأحزاب شيعية أخرى صغيرة ما يقرب من 20 مقعدا.

وبالفعل أعلنت كتل الإطار التنسيقي، الثلاثاء، أنها الكتلة الأكبر، بعد أقل من ساعة من أعلان المفوضيا العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية.

تحدث الإطار التنسيقي أيضا عن المضيّ بترشيح رئيس الوزراء للمرحلة المقبلة ومقابلة المرشحين لهذا المنصب “وفق معايير مهنية ووطنية”.

حتى ساعة إعداد هذا التقرير لم يعلق الصدر بعد على نتائج الانتخابات أو التحركات التي يجريها منافسوه للمضي قدما.

“النتائج الحالية مؤشر على أن العملية السياسية يمكن أن تستمر، إجرائيا على الأقل، دون مشاركة الصدر المباشرة، وكذلك نسبة المشاركة المرتفعة تفسر على أنها تصويت بالثقة على أداء الحكومة واستعادة للثقة بالعملية السياسية،” يقول مهند سلوم.

من شأن هذا، وفقا لسلوم، أن يشجع أطرافاً داخل الإطار التنسيقي، وكذلك بعض الشركاء السنة والكرد، على اختبار حدود النفوذ الصدري داخل مؤسسات الدولة والإدارات المحلية.

“الاشتباكات التي جرت في 2022 وقدرة الصدر على حشد احتجاجات واسعة ومنظمة ستجعل معظم القوى حذرة في تحديه؛ فهي ستحاول توسيع نفوذها داخل الوزارات والمحافظات دون دفع الأمور إلى مواجهة مباشرة”.

في أغسطس 2022  اندلعت اشتباكات ضارية على خلفية إعلان الصدر الانسحاب من الحياة السياسية مما دفع أنصاره إلى اقتحام مجمع حكومي ضخم داخل المنطقة الخضراء بغداد والتصادم مع جماعات شيعية منافسة منضوية ضمن الإطار التنسيقي.

استمرت الاشتباكات لساعات قبل أن تنتهي بسقوط قتلى معظمهم من أنصار الصدر، وكادت تُدخل العراق في حرب أهلية شيعية-شيعية.

من هنا يمكن أن تشكل نتائج الانتخابات اختبارا حقيقيا لمدى قوة تأثير الصدر.

“أظهرت هذه الانتخابات ما كنا نعلمه دائمًا، حول قوة التيار الصدري الانتخابية: فهي لا تتجاوز مليون ناخب” تقول مرسين الشمري، الأستاذة المساعدة في قسم العلوم السياسية بكلية بوسطن لـ”الحرة”.

وتعتقد الشمري أن الرسالة التي يمكن فهمها من نتائج الانتخابات ووصلت لخصوم الصدر تتلخص في أن “الرجل ليس بالقوة التي يدعيها، وقد تم اختبار ذلك عسكريًا في اشتباكات المنطقة الخضراء في أغسطس 2022 وسياسيًا في انتخابات نوفمبر 2025”.