موسيقى فيلم “Eternity and a Day”: نَفَس الزمن وصمت الروح
تُعد موسيقى فيلم *Eternity and a Day* للمؤلف الموسيقي اليوناني إليني كاراييندرو نموذجاً فريداً لتلاحم الصورة والصوت في بناء المعنى السينمائي. الموسيقى لا تُستخدم هنا لتزيين المشهد أو تأكيد العاطفة، بل لتكشف الطبقة الوجودية العميقة التي يقوم عليها الفيلم، الذي أخرجه ثيو أنغلوپولوس عام 1998 بوصفه تأملاً في الزمن والذاكرة والفقد.
تميل الألحان إلى الإيقاع البطيء والحركة الدائرية، كما لو كانت تحاكي دوران الأيام وتكرار اللحظات في حياة إنسان يواجه نهايته. تتداخل نغمات الكمان والأكورديون والبيانو في بناء هارموني متقشّف، لكنه مشحون بالعاطفة الصامتة. في هذا الاقتصاد الموسيقي تكمن قوة كاراييندرو: فهي تُفضّل الإيحاء على الإفصاح، وتجعل من الصمت جزءاً من اللحن نفسه.
تُضيء الموسيقى البنية الشعرية للفيلم، إذ ترسم المشاهد كما يرسم الشاعر قصيدته: بإيقاعٍ محسوب، وتدرجٍ عاطفي لا ينكشف دفعة واحدة. حين يتجول البطل بين الحاضر والذكريات، تصبح الموسيقى جسر العبور بين ما كان وما لم يعد. إنّها ليست خلفية للفيلم، بل امتداد لوعيه، أو ما يمكن تسميته "صوت الذاكرة" الذي يطفو متى انكسر توازن الصورة.
الفرادة في موسيقى *Eternity and a Day* تكمن في قدرتها على اختزال فلسفة أنغلوپولوس السينمائية: الزمن ليس خطاً يُسار فيه، بل نَفَس يُستعاد. وبهذا المعنى، تُحوّل كاراييندرو اللحن إلى تجربة تأملية، تذكّر الإنسان بزمنه الداخلي، وبالطريقة التي يُمكن للصوت أن يمنح المعنى لما لا يُقال.

