محمد الأخضر حمينة، الذي رحل عن عمر 95 عاماً، سيظل شخصية بارزة في الفن السابع، ليس فقط في الجزائر، بل على الساحة الدولية أيضاً. كان المخرج العربي والأفريقي الوحيد الذي فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان. من خلال أعماله، استطاع أن يبني جسراً ثقافياً بين الجنوب والغرب، مانحاً صوتاً للعالم الثالث ولبلده الجزائر على مدى ما يقرب من أربعين عاماً
ولد الأخضر حمينة في 26 فبراير 1934 في المسيلة بمنطقة الأوراس، لأبوين فلاحين متواضعين. نشأ في سياق تميز بالاستعمار والنضال من أجل الاستقلال. بعد دراسته في الجزائر ثم في فرنسا، انضم إلى المقاومة الجزائرية في تونس عام 1958، حيث تعلم مهنة السينما بشكل عملي، قبل أن يتدرب على التصوير في براغ. عند الاستقلال، أصبح مديراً للأخبار الجزائرية، ثم للمكتب الوطني للتجارة والصناعة السينمائية الجزائرية، مرسياً بذلك أسس سينما وطنية ملتزمة.
فيلمه الروائي الطويل الأول، "ريح الأوراس" (1966)، المستوحى من قصة جدته، يصور كفاح أم للعثور على ابنها السجين لدى الفرنسيين. هذا الفيلم، الذي فاز بجائزة العمل الأول في مهرجان كان عام 1967، مثّل دخول السينما الجزائرية الشابة إلى الساحة الدولية. تبع ذلك "حسان طيرو" (1968)، وهو كوميديا ساخرة أصبحت من الأفلام الكلاسيكية، ثم "ديسمبر" (1973)، قبل أن يصل إلى التتويج مع "وقائع سنوات الجمر" (1975).
هذه اللوحة التاريخية، المروية في ستة مشاهد، تتتبع ولادة الأمة الجزائرية من 1939 إلى 1954، حتى اندلاع الثورة ضد الاستعمار الفرنسي. فاز فيلم "وقائع سنوات الجمر" بالسعفة الذهبية في مهرجان كان، دافعاً بالأخضر حمينة إلى مصاف المخرجين العالميين. هذا الفيلم، الذي أشيد به لقوته الملحمية والغنائية، سلط الضوء على معاناة وآمال الشعب الجزائري خلال الفترة الاستعمارية.
الأخضر حمينة، رجل المبادئ، لم يسع أبداً لكتابة التاريخ الرسمي. في عام 1984، صرح: "ليس لدي ادعاء كتابة تاريخ الشعب الجزائري. أنا أروي قصة. لكن كل فيلم من أفلامي هو صفحة في ملف المجتمع الجزائري والعربي والعالم الثالث وحتى العالمي". استطاع أن يجعل من كل عمل فعل ذاكرة، وإدانة للظلم، وتكريماً للمجهولين في النضال.
بعد السعفة الذهبية، أخرج "رياح الرمال" (1982)، و"الصورة الأخيرة" (1986)، ولاحقاً "غسق الظلال" (2014)، مواصلاً فيلموغرافيا متطلبة وملتزمة، رغم الصعوبات وعدم الاستقرار السياسي الذي ميز الجزائر، خاصة خلال العشرية السوداء.
ترك محمد الأخضر حمينة إرثاً سينمائياً لا يقدر بثمن، أشاد به النقاد والمؤسسات. أعماله، التي تتخللها الذاكرة والمقاومة والإنسانية، ساهمت في تشكيل هوية السينما الجزائرية وإيصال صوت شعوب الجنوب إلى الساحة العالمية. سيبقى كأحد آخر أساتذة السينما الملحمية العظام، وشخصية بارزة في تاريخ السينما العالمية.